لا زلت أذكر وعيد أبي رحمه الله لي إن إنضممت إلى صفوف المعارضة !
و لا زلت أذكر نصائح الأقرباء و الأصدقاء بالإبتعاد عن صفوف المعارضة !
إلا أنني مؤمن بأني على صواب و هم كانوا أو لا زالوا على خطأ .
دائماً ما توجد عثرات أمام كل من يحاول أن يمارس نشاطاً سياسياً في مصر و العراقيل كثيرة ، فالمناخ العام يؤثر الإبتعاد عن السياسة خوفاً من زوار الفجر و ضياع المستقبل و ... إلخ ، و لكن إذا ما تغلب الشخص على مثل هذه العراقيل و العثرات المجتمعية الناتجة عن ثقافة الخوف فإنه سيقابل عراقيل أكبر في أي نشاط سياسي سيتجه إليه حتى و إن كان في صفوف المعارضة و خاصة في الأحزاب السياسية .
و الأسباب في ذلك تكاد تكون مبهمة أو غير معروفة ، فالعمل السياسي هو عمل تطوعي بطبيعته و ليس عمل بمقابل مادي ، إلا أنه مليئ بالصراعات سواء على مستوى الحزب الحاكم أو على مستوى المعارضة و قد تجد خلافات هنا و هناك و قد يصل إلى ذهنك أن المصالح جميعها في الحزب الحاكم لذلك لا بد من وجودها و هذه حقيقة ، إلا أنه في صفوف المعارضة الأمر مختلف جداً ، فالعمل منذ بدايته تطوعي بعيد عن المصالح بل إننا نستطيع القول بأنه يضر بالمصالح ! فلماذا إذاً الصراعات و الحروب ؟
هذا السؤال لا زلت أعاني من كثرة توجيهه إلي و في كل مرة أجيب إجابة مختلفة و السؤال الأصعب هو الذي يوجه من الأشخاص العاديين و هو سؤال أراه مملاً إلا أني أضطر إلى الإجابة عليه و هو " ماذا تستفيد من إنضمامك لصفوف المعارضة " لي ثلاث إجابات لهذا السؤال :
1- أن الشخص العادي يستطيع أن يشغل في أي حزب معارض منصب كبير لا يمكن أن يشغله في الحزب الحاكم الذي يعطي تلك المناصب لرجال الأعمال و خاصة القوم عنده و اللذين يمكن أن نحصرهم في العشرات بين شعب يتخطى تعداد سكانه 88 مليون نسمة !.
2- أن أعضاء أحزاب المعارضة هم بحق ناقمون على النظام مهما دفع النظام لهم و هم أشخاص لا يبحثون إلا عن الحقيقة و هم ضد الفساد و المحسوبية و سرقة أموال الشعب .. إلخ .
3- أن أحزاب المعارضة قد تصل للحكم في يوم ما و هذا ليس بالمستحيل و من هنا فالإنضمام إليها يعني القدرة على التغيير في المستقبل .
الواقع أن كل إجاباتي صحيحة و لكنها لن تكون مقبولة من الجميع فأصحاب المصالح قد أجيبهم الإجابة الأولى و في بعض الأحيان الإجابة الثالثة ، أما المخلصون حقاً فإنني أجيبهم الإجابة الثانية ، أما الطامحين فإن إجابتي دائماً ما تكون الثالثة .
و هذه إجاباتي لمن هم خارج صفوف المعارضة ، أما أعضاء الأحزاب المعارضة و اللذين تخطوا العراقيل المجتمعية ، فإنهم لا يسألون عن أسباب الإنضمام إلى المعارضة إذ أنهم بالفعل أعضاء في تلك الأحزاب بل إنهم يسئلون أنفسهم سؤال آخر و هو لماذا الصراع داخل المعارضة و هو السؤال الصعب و الذي قد تتعدد إجاباته إلا أنني لا أرى له إلا إجابة واحدة و هي :
طبيعة كل من ينضم إلى صفوف المعارضة أنه يكون شخص غير عادي فالخوف من الأذي المجتمعي أو النظامي يكون أقل عنده من غيره و قد يكون غير موجود ، كما أنه يكون صاحب فكرة أو مجموعة أفكار ، و يريد الترويج لها و يعلم أن النظام و حزبه الحاكم غير ديمقراطيين ، و بالتالي يبحث عن نفسه بين أشخاص آخرين لن يجدهم إلا في صفوف المعارضة .. و التي هي مليئة بأصحاب الافكار و كل شخص يحاول الترويج لأفكاره و يدافع عنها ، مما يؤدي إلى وجود مساحة من الحوار و لا يلزم الأمر أن يتفق الجميع في النهاية فالخلاف ظاهرة صحية مطلوبة و بدونه لا توجد الديمقراطية فالفيصل في النهاية هو صندوق الإنتخابات ، و لكن إذا ما لجأ الجميع إلى الإنتخابات تحدث الصراعات أيضاً و هنا يأتي سؤال آخر ، و هو لماذا الصراع مع أن القاعدة قد عبرت عن رأيها و إختياراتها ، و الإجابة هذه المرة ستكون مختلفة و لاذعة بعض الشئ .
فالجيل الذي يقود المعارضة الآن قد نشأ في مناخ ديكتاتوري نشأ و تربى عليها و قد ينادي بعض هؤلاء القاده بالديمقراطية إلا أنهم في حقيقة أمرهم ديكتاتورين إذا ما تولوا زمام الأمور ، و هذا أمر لا ينتقص منهم إذ أن السبب يعود إلى سنوات من القهر بعد قيام ثورة يوليو أثرت بطبيعة الحال عليهم ، و لكن يحسب لهذا الجيل أنه قد قام بالطرق على أبواب الحرية و إستطاعوا فتح بابها بعض الشئ ولكن لم يستطيعوا فتح باب الديمقراطية إذ أن الديمقراطية تعني التغيير ، و لا تعني شيئاً آخر غير التغيير .
من هنا نرى أن ما تمر به السياسة في مصر أمر طبيعي حتى و إن نشأت صراعات داخل صفوف المعارضة ، و ليس من المهم أن ننتظر من قادة المعارضة الحاليين أن يحققوا مطلب الشعب و يأتوا بالديمقراطية ، لأن من سيحقق ذلك هو جيل آخر من القاده جيل قادم ينادي بالديمقراطية و يبطقها على نفسيه أولاً .
لذلك لا تنزعجوا من أي صراعات في صفوف المعارضة فهذا أمر طبيعي و تفاءلوا خيراً فالديمقراطية قادمة قادمة حتى و إن كانت بوجوه أخرى جديدة ، فتجديد الدماء مطلوب .
و لا تخشوا الإنضمام إلى صفوف المعارضة و التعبير عن الرأي ، فلن ينتقص أحد يوم من عمرك طالما كتبه الله لكم .
و على الله قصد السبيل